You are currently viewing حين انهار كل شيء… أنقذني رجل من رجال الأزهر

حين انهار كل شيء… أنقذني رجل من رجال الأزهر

فارس الحسيني يكتب…

في لحظةٍ قاسية، شعرتُ أنّ العالم قد انهار فوق رأسي. كنتُ طالبًا في الثانوية الأزهرية، أحلم بمستقبلٍ يليق بطموحي، أجتهد وأرسم طريقي بخطى ثابتة، حتى جاءني قرار كالصاعقة: رسوبٌ غير مبرر، ظلمٌ صريح، وكأن يدًا خفيةً سلبتني كل ما بنيته.

لم أكن حزينا… كنتُ مكسورًا. الأرض ضاقت عليّ بما رحبت، لا قانون ينصفني، ولا صوت يُسمع، ولا بصيص أمل يلوح في الأفق. كنتُ وحدي، تائهًا في ظلمات اليأس، أحمل قلبًا ثقيلًا وروحًا أنهكها الوجع.

لكن الله لا يترك عباده.

ساق إليّ رجلًا. كان هو المستشار محمد عبد السلام، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، رجلٌ حمل في قلبه نور الأزهر وفي عقله حكمة الإنسانية. خريج جامعة الأزهر الشريف، ومستشار فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب لثماني سنوات، ومهندس وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقّعها شيخ الأزهر والبابا فرنسيس عام 2019، تلك الوثيقة التي أضحت رمزًا عالميًا للتعايش والسلام، وجعلت يوم 4 فبراير يومًا دوليًا للأخوة الإنسانية بقرار من الأمم المتحدة.

لم يكن مجرد منصب أو لقب. كان رجلًا يحمل في صدره قلبًا ينبض بالعدل، وعقلًا يسعى لنشر الخير، هذا الرجل، الذي كرّمه العالم بأوسمة مثل وسام الباباوية من البابا فرنسيس ووسام أستانا من كازاخستان، سمع بقصتي، فلم يتردد، تحرّك ودافع  لأن العدل عنده مبدأ لا يقبل المساومة.

أذكر لقائي بسيادته على هاتف والدي

كان يشع هدوءًا، لكن صوته كان حازمًا كالصخر حين قال:

“لا تقلق يأخي… إن الله معنا.”

تلك الكلمات لم تكن عبارات عابرة، كانت كالنور يخترق ظلمة ليلٍ حالك، كاليد التي تمتد لتنتشل غريقًا من أمواج اليأس، استمع إليّ بقلب مفتوح، سأل عن التفاصيل، تابع القضية، وتدخّل بكل قوة، لدرجة أنني شعرت أنني ابنٌ له، وأن ظلمي هو ظلمه، وأن حقه في نصرة المظلوم هو رسالته.

وبفضله بعد الله، عاد إليّ حقي.. وكنت الأول على المعهد والتحقت بحلم العمر كلية الإعلام.

عدتُ إلى مقاعد الدراسة، لكنني لم أعد ذلك الفتى المكسور. كنتُ أقوى، أكثر وعيًا، وأشد إصرارًا، حملتُ في قلبي وعدًا لا ينكسر: “لن أضيّع هذه الفرصة مرة أخرى.”

مرت السنوات، وها أنا اليوم أقف على منصة التخرج، أرتدي عباءة الفخر من قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف، لكن نجاحي لم يكن فقط شهادة معلقة على الحائط، لقد فتح الله لي بعد تلك المحنة أبوابًا من الخير لا تُعد.

عملت مع كبار رجال الأزهر الشريف، بترشيحات متوالية من أساتذتي الذين وثقوا في قدراتي..سعادة وكيل الكلية الأستاذ الدكتور عبدالراضي حمدي الذي كان يستدعيني أسبوعيا إلى مكتبه ويقول لي بلهجة الأب “يا فارس أنت شاطر يا حبيبي ” ورشحني أكثر من مرة إلى أساتذة أفاضل فى مشاريع إعلامية،

كانت رحلةً من العمل الجاد والإيمان بي من قيادات الأزهر العظيمة. عملتُ مع نخبة من الأساتذة والمسؤولين، مثل الدكتور أحمد السنتريسي كنت المسؤول الإعلامي عن شركة سيادته والدكتور حمدي سعد والدكتور المأمون جبر، واختارني مدير المركز الاعلامي بالجامعة ورئيس المدينة الجامعية عندما كنت مقيما فيها أن أبرز إيجابياتها، وبالفعل قمت بعمل تقرير شامل من ثلاث دقائق أشادوا به جميعا وأصروا على تكريمي من رئيس الجامعة، رأوا فيّ طاقة إعلامية صادقة، فمنحوني الثقة والفرص، وأحسنوا الظن بي.

لكنني لم أنسَ أبدًا من كان الشرارة الأولى.

سيادة المستشار محمد عبد السلام، الرجل الذي آمن بي حين لم يؤمن أحد، ورأى نوري حين ظننت أني انطفأت، وقف بجانبي حين تخلّى الجميع، هو الذي أثبت لي أن الأزهر ليس فقط صرح علمي، بل موطنٌ للرجال الذين يحملون النور لمن ضل، والعدل لمن ظُلم، هذا الرجل، الذي يرأس تحالف “الأديان من أجل السلام”، ويسهم في بناء جسور التفاهم بين الأزهر والفاتيكان، ويقود مبادرات لمكافحة الكراهية في أوروبا والتوفيق في مناطق الصراع، كان له قلبٌ يتسع لقضية طالبٍ مظلوم مثلي.

اليوم، وأنا أرتدي عباءة التخرج، لا أفكر في أضواء الحفل أو تصفيق الحاضرين. أفكر في ذلك الرجل الذي غيّر مسار حياتي بموقفٍ واحد، بجملةٍ واحدة، وبضميرٍ لا يعرف التنازل. أفكر في رجلٍ أثبت أن العدل ليس شعارًا، والإنسانية ليست مجرد كلمات، بل رسالةٌ يحملها في كل خطوة، سواء في قاعات الأمم المتحدة والمؤتمرات الكبرى أو في مواجهة ظلم طالبٍ بسيط.

لم أكتب هذه الكلمات لأمدح، بل لأردّ جميلًا لن أوفيه حقه، كتبتُ لأقول إن في الأزهر رجالًا لا تُغريهم المناصب، ولا تشتريهم المظاهر، رجالٌ يحملون في قلوبهم قيم الإسلام الحق، ويمدون أيديهم لكل من يحتاج إلى نور.

يا سيادة المستشار محمد عبد السلام، جزاكم الله عني وعن كل مظلومٍ نصرته خير الجزاء.

أدعو الله أن أكون يومًا سببًا في إحياء أملٍ في قلب إنسانٍ آخر، كما كنتَ أنتَ ذلك الأمل الذي أعاد لي الحياة، وكما تمتد يدك للعالم بنشر السلام والأخوة الإنسانية، سأظل أحمل في قلبي درسك العظيم: أن العدل هو الدين، والإنسانية هي الرسالة.

يا سيادة المستشار،
جزاكم الله عني خيرًا، وبارك في علمكم وعملكم.
أسأل الله أن أكون تلميذًا بارًا، على خُطاكم، حاملًا لراية الأزهر الشريف، ومدافعًا عن رسالته السامية في زمنٍ عزّ فيه الثبات.

 

 

اترك تعليقاً